ساهمت عدة عوامل في سقوط الإمبراطورية العثمانية، مما عرض أجزاءها في المشرق العربي للانتداب البريطاني والفرنسي. فما عوامل سقوط الامبراطورية العثمانية؟ وما وسائل وإجراءات التوغل الاستعماري بالمشرق العربي؟

سياسيا: تدهورت الأوضاع خاصة بعد فشل إصلاحات القرن 19م وظهور معارضة قوية من طرف جمعية الاتحاد والترقي، إضافة إلى اشتعال الفتن في العديد من الولايات العثمانية؛

اقتصاديا: انخفض الإنتاج الفلاحي والصناعي مع ارتفاع الديون الخارجية مما أخضع مالية الإمبراطورية للمراقبة الأجنبية، في ظل عجزها عن استخلاص الضرائب في العديد من المناطق؛

عسكريا: ضعف الجيش العثماني في الوقت الذي تعددت فيه الجبهات التي كان عليه التحرك فيها كليبيا وسوريا.

 عملت الدول الامبريالية على دعم الحركات التحررية في أطراف الإمبراطورية العثمانية بهدف إضعافها، إذ شجعت بريطانيا الشريف الحسين أمير مكة والحجاز على تزعم الثورة العربية سنة 1916م، بعد أن أثارت الاضطرابات بالشام والحجاز، في الوقت الذي كان فيه العثمانيين منشغلون بالحرب العالمية الأولى، كما لعبت الاتجاهات القومية دورا في تأزم وضعية الإمبراطورية حيث تبنى الاتحاد والترقي سياسة التتريك الداعمة للعناصر التركية داخل الإمبراطورية، والتي ردت عليها القوميات العربية من خلال عقد مؤتمر باريس 1913م.

بعد انهزام الإمبراطورية العثمانية في الحرب العالمية الأولى، عقدت الجمعية الوطنية التركية مؤتمر أرضروم في يوليوز 1919م، الذي دعا إلى تأليف حكومة مؤقتة لتأسيس سلطة جديدة وإلغاء الخلافة، وجاء إعلان الميثاق الوطني 1920 بمثابة إعلان الثورة ضد حكومة القسطنطينية العاجزة، وبدأت الجمعية الوطنية في عقد مجموعة من الاتفاقيات التي قادت إلى الاعتراف بتركيا الجديدة من خلال معاهدة لوزان يوليو 1923م، وفي أكتوبر تم إلغاء الخلافة بشكل رسمي وإعلان جمهورية تركيا العلمانية.

شكلت معاهدة سايكس بيكو السرية التي وقعت في ماي 1916م بين كل من بريطانيا وفرنسا وروسيا، بداية تقسيم المشرق العربي، إذ خصت فرنسا نفسها بسوريا وجنوب الأناضول ولبنان، في حين احتفظت بريطانيا بأجزاء من سوريا والعراق والأردن، وبقيت فلسطين تحت حكم دولي خاص تمهيدا لجعلها مستعمرة يهودية، شرعت عصبة الأمم هذا التقسيم بإعلانها سنة 1920م للانتدابين البريطاني والفرنسي على المشرق العربي، وأكد ذلك مؤتمر سان ريمون الذي أخضع سوريا ولبنان للانتداب الفرنسي، وأخضع العراق والأردن لسلطة بريطانيا، إضافة إلى فلسطين مع الالتزام بوعد إنشاء وطن قومي لليهود.

قسمت فرنسا سوريا بمجرد فرضها للانتداب وقضائها على المقاومة الوطنية خلال معركة ميسلون، إذ صدرت قرار تجزئة سوريا إلى أربع مناطق، صحاب هذا التقسيم عملية استغلال مكثفة للبلاد، عبر تشجيع الاستثمار الرأسمالي وإصدار عملة جديدة على حساب العملات المتداولة مما تسبب في انهيار الاقتصاد الوطني وتدهور الوضع الاجتماعي.

بعد فرضها للانتداب على العراق بدأت بريطانيا في تنفيذ السياسة الاستعمارية القائمة على تهنيد الإدارة وجعل الإنجليزية اللغة الرسمية في البلاد، كما باشرت عملية استغلال الإمكانيات الزراعية والطاقية التي تتوفر عليها البلاد، مما أدى إلى انطلاق شرارة المقاومة العراقية ضد الانتداب.

حققت أوروبا أطماعها في إسقاط الإمبراطورية العثمانية وشرعت في استعمار واستغلال المشرق العربي، مما ساهم في إذكاء الحس القومي لمواجهة التدخل الأوروبي.