المقاومة بالاطلس المتوسط

مقدمة

لم تكن منطقة تادلة في منأى عن الأحداث التي شهدتها معظم أجزاء البلاد بحكم موقعها الجغرافي والأهمية الاقتصادية والوضع الديموغرافي التي تتميز بها . فلما سيطر المستعمر عليها توجهت أنظاره إلى القبائل القاطنة بالأطلس المتوسط، فإن لم تجد قوات الاحتلال أية صعوبة في إخضاع المناطق السهلية، فإنها لم تستطع إخضاع القوات المحلية الأطلسية بنفس الطريقة، التي خضعت بها المناطق السهلية. فقد جندت القبائل الأطلسية كل من التضاريس والغيرة على الوطن وشرفه في الدفاع عنه ضد المستعمر. فماهي أهم المقاومات المسلحة التي قامت بها القبائل الأطلسية؟ وماهي خاصياتها؟


I. التعريف بالأطلس المتوسط جغرافيا وظروف وصول المستعمر إليه

1) التعريف بالأطلس المتوسط جغرافيا

تشكل جبال الأطلس مجموعة تضاريسية مرتفعة ومتكتلة تمتد من المحيط الأطلسي إلى الحدود الجزائرية، على شكل حزام اتساعه ما بين 150-200 كلم على التراب الوطني، ويتوفر كل من الأطلس المتوسط والكبير وهما سلسلتان حديثتان، على أعلى قمم شمال أفريقيا 4165 في جبل توبقال في الأطلس الكبير، بينما يصل أعلى ارتفاع في الأطلس المتوسط 3634 متر في جبل صاغرو.

وتنفصل سلسلة الأطلس المتوسط عن الأطلس الكبير في منطقة بني ملال ليمتد الأطلس المتوسط في اتجاه الشمال الشرقي وتنفصل شمالا عن سلسلة الريف بممر تازة وهضبة سايس. وينقسم الأطلس المتوسط إلى جزأين الجزء الشرقي والغربي.

2) ظروف وصول المستعمر إلى الأطلس المتوسط

أدت الظروف الدولية التي عرفت أوجها خلال القرن 19 منذ انهزام المغرب في معركة إسلي سنة 1944 أمام القوات الفرنسية، إلى تزايد التوغل والتنافس بين الدول الأوربية. ومما زاد طين بلة اندلاع الأزمة الداخلية بموجب تولي عبد العزيز بن الحسن سدة الحكم سنة 1894، وخصوصا لما توفي وصيه باحماد، تمثلت الأزمة في الديون الخارجية واندلاع ثورات داخلية، ضرائب....، الشيء الذي وضع أوتاد المستعمر الأجنبي بالمغرب.

تذرعت فرنسا بمقتل الدكتور موشان بمراكش لاحتلال وجدة والدار البيضاء، فقام السلطان عبد الحفيظ بقيادة الحركة انطلاقا من الجنوب. أدى إلى خلع عبد العزيز لكنه لم يوقف الاستعمار الفرنسي، فلم يبق أمام عبد الحفيظ إلا توقيع معاهد الحماية/عقد فاس سنة 1912 بعد انفراد فرنسا بالمغرب. فقد اتجه الاستعمار الفرنسي في المرحلة الأولى إلى السهول الخصبة ما بين 1912-1914.وفي المرحلة الثانية ما بين 1914-1920 اتجهت قوات الاحتلال للسيطرة على الأطلس المتوسط، إلا أن المستعمر لم يتمكن من السيطرة عليه نظرا لاندلاع مقاومة مسلحة من طرف أهالي وزعماء قبائله ومنهم موحى وسعيد وموحى وحمو الزياني؛ اللذان استطاعا التصدي للمستعمر بكل ما أتيا من قوة مجالية وغيرة على الوطن.

II. المقاومة في الأطلس المتوسط

1) معركة سيدي علي وبراهيم

اجتمعت في سيدي علي وبراهيم قبائل ايت عتاب وايت بوزيت وبني عياط نومالو وبني ملال وهاجموا مونجان في العين الزرقا في يوم 26 أبريل 1913، ورأى

مونجان أن الاحتلال الفعلي لتادلة لا يمكن أن يتم إلا بالقضاء على مقاومة سكان الجبال. ولهذا قرر مهاجمة المقاومين في سيدي علي وبراهيم يوم 27 أبريل واستولى على المرتفعات الاستراتيجية بالمنطقة. وفي الليل هاجم

المجاهدون قوات الاحتلال وكبدوهم خسائر فادحة، واستمر القتال لمدة ثلاثة أيام كادت القبائل أن تستولي على المخيم لولا الاستعمال الكثيف لنيران المدفعية، بل

إن قوات الاحتلال لم تتمكن من نقل القتلى، بل تركهم في أرض المعركة. وكرد فعل أمر مونجان بتدمير أشجار الزيتون قبل التراجع إلى قصبة تادلا.

من ذلك الحين انتقل مانجان إلى قصبة تادلا التي جعل منها مركزا دائما لقواته، وتنظيم قبائل بني عمير وبني موسى حديثة الخضوع، وربط الاتصال مع قادة كيش ايت الربع. لتتوجه أنظاره إلى الأطلس لكن واجه مقاومة شرسة من طرف الأهالي.

2) مقاومة موحى وسعيد

شخصية موحى وسعيد

تنتمي شخصية موحى وسعيد إلى قبيلة ايت ويرا، وهو القائد الماجد المعمور المسكوت عنه، تجمعت فيه مجموعة من الخصال، فهو كان متواضع اشتهر بذكائه الحاد، وحذق كبير في علاقاته مع القبائل، كل هذه الخصال سمحت له أن يختار أمغارا على أيت اويرا. واستطاع تولية سلطة القصيبة بعد أن ولاه ابن همو مسؤولا عليها ولما أرسل السلطان طابورا عسكريا إلى قائده ابن همو لمساعدته على استتاب الأمن. رفض ابن همو استقباله، فانتهز الفرصة موحى وسعيد، واستقبل العساكر المخزنية بحفاوة . كبيرة قاوم المستعمر بشكل كبير الى أن توفي في 5 مارس 1924.

مقاومة موحى وسعيد ومعاركه

بعد حادث احتلال الدار البيضاء سنة 1907 ، وما خلفه من أصداء مأساوية في معظم أرجاء البلاد عامة والقبائل الأطلسية خاصة، كانت استجابة مجموعة من الزعماء والقواد لتلبية نداء الجهاد، وكان من أبرزهم موحى وسعيد الويراوي الذي اتجه إلى الشاوية، حيث خاض هناك معارك باسلة ضد الجيوش الفرنسية، ومنذ ذلك الحين انخرط في حركة المقاومة المسلحة بتحد، وعيا منه بخطورة مخطط الاجتياح الفرنسي للبلاد من جهة، وما تقتاضيه دقة الظرفية العامة في المغرب، من مجابهة وكفاح مسلح من جهة أخرى، وتجلى في رفضه الانصياع للعروض المغرية. التي ما فتئت الادارة الاستعمارية الفرنسية تقدمها له مقابل التنازل عن خيار الجهاد.

ولما استنفد كل من القيم العام ليوطي ومانجان كل وسائل الاغراء لاحتواء موحى وسعيد، قرر مانجان الإقدام على وضع خطة لهجوم كاسح على بلدة القصيبة، و ضرب المقاومة هناك، حتى يتمكن من ردع القبائل الصامدة،

وإجبارها على الرضوخ للإدارة الفرنسية على نحو ما حصل مع القبائل السهلية.

مما جعل يكسب ود السلطان مولاي الحسن، وتم تعيينه على اتحادية ايت سخمان الحوض الأعلى لنهر أم الربيع.

ولما وصل المستعمر إلى هذه المناطق حارب موحى وسعيد ضد جيوش مانجان وهنري إلى جانب موحى وحمو الزياني.

ولقد أعد مانجان ضد موحى وسعيد حملة مقسمة إلى ثلاث مجموعات:

  • حملة بقيادة مانجان
  • حملة بقيادة ماتو
  • حملة بقيادة بيتريكس
  • بينما كلف بيكارد بقيادة الخيالة.

قصدت هذه المجموعة منطقة القصيبة التي توجد عند مدخل تيزي نايت ويرا، إلى جانب وهدة تنفتح على ممر زراعي يمتد على 12 كلم، ويصل القصيبة بسهل تادلة ممرين:

  • ممر اغرم العلام في الغرب.
  • ممر تاغزوت في الشرق.
  • المعركة الأولى 8 يونيو 1913:

لقد أعد مانجان لمهاجمة القصيبة فرقة عسكرية تتكون من 130 ضابطا،و4000 رجلا،3000 دابة و 14 مدفعية. بالإضافة إلى1000 من المغاربة المشايعين للقوات االفرنسية ( بني زمور السماعلة وورديغة)

قسم مانجان قواته إلى ثلاث مجموعات .

  • مجموعة مانجان.
  • مجموعة ماتيو.
  • مجموعة بتريكس.

انطلقت القوات الاستعمارية من قصبة تادلة في الثامنة صباحا، وتمكنت من السيطرة على اغرم العلام رغم مواجهتها بإطلاق زخات من الرصاص من المرتفعات المجاورة.

أمر مانجان بيكارد بقيادة الخيالة ومهاجمة القصيبة وفعلا مع التاسعة صباحا، هاجم المقاومون الجناح الأيمن للقوات الفرنسية، وقع اشتباك عنيف وكان بيكارد قد انطلق مع الخيالة في اتجاه القصيبة، فانطلقت النيران من المرتفعات المشرفة

على الممر المؤدي إلى القصيبة، وقضى المقاومون على قوات الاحتلال الفرنسي، وكانت خسائر المستعمر على الشكل التالي :

32 قتيلا من بينهم ضابطين، 15 جريحا ، قتل 50 فرسا وفر الباقون وأنقذوا بتدخل الموالين وفرقة عسكرية حقيقية، وفي هذه المعركة توفي بيكارد نفسه.

إلا أن مانجان استطاع تخريب قصبة موحى وسعيد بعد وصوله القصيبة بعد الزوال، ليعود مساء اتجاه سيدي بن داود سالكا نفس الطريق الذي قدم منه.

  • المعركة الثانية 9 يونيو 1913

في يوم 9 يونيو 1913 كان المجاهدون يشنون هجمات على القوات الفرنسية بمعسكر سيدي بن داود،في الوقت الذي أرسل الكونيل مانجان الجرحى والمدفعية إلى قصبة تادلة حتى لا تسقط في يد المجاهدين، كما توصل في نفس الوقت بتعزيزات عسكرية إضافية فضلا عن الذخيرة والتموينات الكافية. وكانت خسائر المستعمر في هذا اليوم 9 قتلى و55 جريحا. مما جعل مانجان يعتبر

الموقف حرجا فاختلط عليه الأمر بين الثأر والخوف، مصرحا على أنه لم يقدر على الانتقام بما فيه كفاية

المعركة الثالثة 10 يونيو 1913

 بعد ما تعهد مانجان بعدم ترك المنطقة قبل الإطاحة بقرية القصيبة في ادتماع له مع ضباطه متأسفا عن هزائمه السابقة. تحرك مانجان وقواته في طلوع الشمس نحو القصيبة حاملا العتاد، وقد كان على الحملة مجموعة ماتيو متبوعة بمجموعة بتريكس، في حين تكلفت مجموعة مانجان بحراسة القافلة من الخلف فقد استعمل مانجان في هذه المعركة طائرات استطلاعية للتعرف غلى مواقع المقاومين . وصلت مقدمة القافلة إلى واد القصيبة محتلة القمم من جهة اليسار من قبل فرقة القناصة الجزائريين، ومن ناحية اليمين فرقة سنغالية ولما شهدهم الأمازيغيون يفرون من نيران المدفعية متجهين نحو الجبل.

 شن مانجان هجوما على قصبة موحى وسعيد فنهبها إلا أن انسحابه من المعركة بعد أن حقق الأهداف التي سطرها حيث قامت قواته بنهب القصيبة وإحراقها، فلما وجدوا جثة بيكارد محروقة، أصدر مانجان أمر انسحابهم معلنا أنهم حققوا أهدافهم فعلى الجميع العودة إلى سهل أم ربيع .

 توجه نحو تادلة ليتعرض لهجوم شرس من طرف قوات موحى وسعيد، التي فرت في بداية المعركة وتسلقت الجبال. وقد كلف هذا الهجوم لمانجان 100 قتيل و 140 جريحا. فضلا عن فقدانها عدد كبير من الذخيرة والعتاد.

الدور العسكري للمرأة بمنطقة الأطلس المتوسط

ساهمت المرأة في الأطلس المتوسط بشكل كبير في التصدي للمستعمر، فقد شاركت بالتعاون مع أخيها الرجل في بعض الأنشطة الاقتصادية وساهمت في توازنها، فالمرأة في قبائل الأطلس المتوسط ضربت بسهم وافر في الجهاد، ومن الأدوار التي كن يقمن بها أثناء المعارك:

حمل الماء على ظهورهن خلف وقرب صفوف الرجال لسقي المجاهدين.

  • إعداد الطعام.
  • إسعاف الجرحى في الكهوف والمخابئ.
  • توزيع المناشير ورسائل التهديد.
  • حمل ونقل السلاح.
  • المشاركة في بعض الأعمال الفدائية ضد المستعمر.
  • الدعم النفسي للرجال عن طريق الزغاريد بل في بعض الأحيان تقف جنبا إلى جانب الرجال في المواجهات المباشرة مع المحتلين.

ومن أسماء المقاومات محجوبة، خديجة عبو، ايطو أولهبوب، للا تيفة بنت القائد مولاي سعيد.

  • الوسائل السياسية والعسكرية المستعملة في الحرب:

الجنود والثكنات

كانت جميع السلطات مركزة بين يدي ليوطي كمقيم عام وكقائد أعلى للقوات الفرنسية، بعد أن تبينت له ضرورة احتلال المناطق الجبلية، قام بالزيادة في عدد الجنود الذي ارتفع ما بين 1912-1914 من 43000 إلى 90000جنديا، ومع اندلاع الحرب العالمية الأولى والتحاق عدد من الجنود بالجبهة الأوربية انخفض العدد إلى 71000 سنة 1915. إلا أنه ارتفع من جديد ووصل في يناير 1919 إلى 100000 جندي. وتمكن الفرنسيون ما بين 1912 -1914 من تكوين العديد من المراكز العسكرية بتادلا والمناطق الجبيلة المجاورة. فيعتبر احتلال واد زم حسب تعبير كيدون دو ديف بمثابة خطوة رئيسية لاحتلال باقي مناطق تادلا، كما تم اقرار حاميات

عسكرية في كل من البروج زدار ولاد زيديوح وقصبة تادلا وإغرم العلام وبني ملال بعد احتلالها سنة 1916.

الأسلحة

 استعملت قوات الاحتلال آلات حربية متطورة لإخضاع القبائل المقاومة، فالرشاشات أصبحت تستعمل بطريقة منتظمة ابتداء من سنة 1914. واستعملت

كذلك المدفعيات بأنواعها الخفيفة والثقيلة من عيار 65 و75س. مما أدخل الرعب في قلوب السكان.

الوسائل الاقتصادية والسياسية

تمثلت في وضع خطط استراتيجية لتدمير الاقتصاد المحلي، ونهب المواشي ومخازن الحبوب.... كما لجأت إلى فرض الذعائر وأخذ الرهائن وفرض الأعمال الاجبارية للتحكم في القبائل وفصل بعضها عن البعض. فبعد احتلال مدينة خنيفرة فرض الجنرال هنريس على قبائل زيان: خمسة ريالات لكل خيمة وفرس لكل عشرة خيام بندقية لكل أربع خيام.

استقطاب واستعمال المغاربة

لم يكن بإمكان قوات الاحتلال السيطرة على القبائل الجبيلة، لولا استعمالها للجنود المستسلمين للفرنسيين. فكلما احتلت القوات الفرنسية مجال معين فهي تجند جنودا يخدمون لصالحها، مكنت هذه السياسة الفرنسيين من فهم المجال وبالتالي سهولة إخضاعه.

3)مقاومة موحى وحمو الزياني

التعريف بشخصية موحى وحمو الزياني

   ولد حوالي سنة 1857 من والده حمو نعقا من قبيلة آيت حركات، واختلفت الكتابات في تسميته فقد عرف في المراسلات المخزنية باسمه الحقيقي محمد بن

حمو، أما لقب موحى وحمو فقد أطلقه عليه أبنائه وأسرته ونقله عنهم الفرنسيون .

تميز بكونه أبيض مشرب بحمرة، نقي الشيب كريم المائدة ويتكلم العربية جيدا، يقضي معظم نهاره في الاجتماعات والتدرب على ركوب الخيل، حتى أصبح فارسا مقداما، وراميا بلا خطأ وهو في العقد الثاني من عمره .

أصبح زعيم "أمغار" لقبيلة زيان بعد وفاة أبيه 1877، عشرون سنة من عمره، وسع سيطرته على القبائل المجاورة ك إشقيرن وجزء من آيت مكلد ...

ثم بعد ذلك أسند له الحسن الأول مهام قيادة زيان، بمعنى أنه تحول إلى خدم المخزن.

   قاتل حتى الرمق الأخير من حياته ولم يستسلم ايمانا بمقولته (إن الحرب مع الفرنسيين سيكون طويلة وقاسية وصعبة، لكن الحرية والوطن والشرف لا ثمنل هم). إلى أن قتل في معركة أزلاغ نبوتزمورت بجبل تاوجكالت يوم 27 مارس 1921 في معركة قادها الجنرال بوميرو وبعد ضمان دخول العديد من القبائل المساندة للزيانيين تحت نفودهم فرنسا.

أصيب بطلقة نارية صادفته في صدره، وهناك حكايات تتواتر على أنه أصيب بطلق ناري اسفل العين نزل منه خيط دم قبل أن يسقط أرضا .

أهم إنجازاته

  • حرض موحى وحمو الزياني قبائل الأطلس المتوسط للتصدي للقوات الغازية في معركة مديونة سنة 1907.
  • مشاركة الزيانيين مع إخوانهم المقاومين بتافلالت في مواجهتهم للغزو الفرنسي القادم من الغرب الجزائري سنة 1908.
  • شارك بشكل فعال أثناء الحصار الذي ضربته القبائل على العاصمة فاس، بعد احتلالها من طرف الجيش الفرنسي سنة 1911.
  • شارك الزيانيون في معركة تافودايت ببلاد زمور في أبريل 1912، وفي معركة أكوراي في بلاد كروان.
  • ساند موحى وسعيد الويراوي في معارك القصيبة 1913.
  • شارك في معركة أقلال سنة 1914 بعد احتلال خنيفرة.
  • شارك في معركة تازروت مو خبو في عشرين غشت 1914.
  • تبقى معركة الهري أهم معركة خاضها موحى وحمو الزياني في 13 نونبر 1914.

 وهذه التعبئة المستمرة لقبائل زيان ستشكل مصدر إزعاج لقوات الاحتلال، والتي ستسارع إلى استحواذها على خنيفرة القلب النابض في الأطلس

المتوسط. والتي تحولت إلى حاضرة بفضل جهود موحى وحو الزياني الذي استقدمه السلطان الحسن الأول، وأسند له مهام قيادة زيان قائدا للمخزن بالأطلس المتوسط؛ بمعنى أنه وفيا ومخلصا للمخزن لسنوات طويلة، ولكن عندما ساند المولى عبد الحفيظ في صراعه ضد أخيه عبد العزيز، وسهل له الالتحاق بفاس عبر تادلا وبلاد زيان دون المرور من الشاوية المحتلة من طرف القوات الفرنسية بدأت علاقات الزيانين والمخزن متباعدة ومتشنجة.

معركة الهري

دوافع معركة الهري:

  • رغبة المستعمر في إخضاع جبال الأطلس الكبير والمتوسط والصغير، قصد تطويق المقاومة الأمازيغية ومحاصرتها برا وجواً من أجل فرض الأمن
  • واستتباب الطمأنينة في نفوس المعمرين الأجانب لاستغلال المغرب، واستنزاف خيراته الاقتصادية
  • لكن الاستلاء على المغرب رهين باحتلال الأطلس المتوسط، نظرا لموقعه الاستراتيجي ، حيث يعتبر ممرا مهما يفصل الشمال عن الجنوب ويفصل الغرب عن الشرق.
  • يهدد الأطلس المتوسط الوجود الفرنسي بالجزائر ومدينة وجدة والمغرب الشرقي والجنوبي.
  • أهمية الأطلس المتوسط جغرافيا واقتصاديا على المستوى المائي والفلاحي والغابوي.
  • منبعا لكثير من الأنهار والمصبات، بفصل كثرة الثلوج المتساقطة في منطقة، والمتحولة إلى مجاري وينابع وعيون مائية تنساب في كثير من الأنهار و الأودية كأم الربيع، ونهر ملوية وواد العبيد.
  • والتي تساهم في إنشاء وبناء السدود وتوليد الطاقة الكهربائية
  • توفره على خط المواصلات المباشر بين مراكش وفاس عبر أم الربيع وخفنيرة.
  • كانت فرنسا تسعى إلى فتح هذا الممر وتسخير خيرات الجبال لصالحها، التي كانت تخوض الحرب ضد دول المحور.
  • علاوة على ذلك أن المقاومين يحتمون بجبال الأطلس خصوصا الزيانيين .

خلاصة

لهذا كانت فرنسا تسعى إلى محاصرة المقاومة الأمازيغية، المساندة للقبائل المجاورة والسهول المحتلة من قبل على التحرر والانعتاق من قبضة فرنسا.

يقول لوسيان سينت وهو عضو مجلس الشيوخ الفرنسي: بدون أطلس خاضع، يبقى غزو المغرب غير ثابت ومتزعزعا، ومن هنا ندرك أن فتح هذا الطريق ضرورة حيوية لإتمام غزو المغرب النافع من أجل ضمان المتروبول، كما يحتاج إليه من مؤون وجند ويد عاملة .

موقع المعركة وأحداثها

يوجد ميدان المعركة جنوب خنيفرة ب 15كلم، ويشرف عليه جبل زيان ومن الجنوب الشرقي جبل إشقيرن، وهو عبارة عن مدرج كبير على عمق 30 كلم يخترقه من الجنوب الشرقي إلى الشمال الغربي واد سيرو، ويوجد مركزه تقريبا في الهري والهري تعني المخزن أو المستودع .

ففي يوم 13 نونبر غادر لافيردور خنيفرة على الساعة الثالثة صباحا، ومعه 1300 من الجنود أغلبهم من السنغال والجزائر وتونس وحتى الكوم المغاربة،

يؤطرهم 43 ضابطا، وقسم الكولونيل لافيردير هذه القوات إلى أربعة طوابير: مجموعة durmelat مجموعة hornecker مجموعةColonna de lecca مجموعة fages .

كانت التعليمات الحربية التي أصدرها لافيردير تطبق بدقة وصرامة.

اعتقدوا أن الطريق أمامهم سهل ومعبد، إذ ليس في المخيم الزياني سوى 300 من المسلحين بتسليح رديء، وأن القبائل في شوق لانتصار قوات الاحتلال للانعتاق من الأسرة الأمحزانية .

وبهذه الخطة ظن لافيردور أن موحى وحمو في متناوله، وأن الأمر في غاية البساطة، ويتلخص في مداهمة موحا وحمو واقتناصه بسرعة ثم الرجوع إلى

خنيفرة، وفعلا أحاطت جيوش الاستعمار بمعسكر موحا وحمو من جميع الجهات، فهاجمته بكل وحشية دون التفريق بين الأطفال والشيوخ والنساء، فكان المنظر عبارة عن مذبحة رهيبة ، وبعد ارتكاب الجريمة وفي غمرة الاحتفال بالانتصار،

أخدت جيوش الاستعمار تستعد للرجوع إلى خنيفرة محملة بالغنائم غير أن الفرحة لم تدم طويلا .

كان القائد موحا وحمو قد أقام هو وأتباعه من الأولاد والأعمام والأحفاد وأبقارهم التي تعد بالمئات وبأغنامهم. في منطقة الهري لقضاء فصل الصيف بعيدا عن قر الجبال، وكان معظم الزيانين قد حذوا حذوه، ونزلوا إلى منتجعات الهري هربا من الثلوج التي بدأت تكسو جبالهم 103 نفسه

كانت المفاجأة كبيرة داخل المخيم الزياني عندما صبت المدفعية قذائفها على القرية، ونشرت فيها الرعب، حيث خرج الزيانيون مصعوقين ومذهولين، لأن في الوقت الذي وصلت فيه القوات الفرنسية للمنطقة، لازال معظم سكان المخيم مستغرقين في نومهم، وكان السكون يخيم على القرية لا يسمع إلا نباح الكلاب، ولم يتمكنوا من أخد أسلحتهم وامتطاء خيولهم، وارتفع الصراخ من حدب وصوب، فقد داهمهم الجنود فجأة، شاهرين مسدساتهم ورشاشاتهم والمدفعية وأحدثوا بلبلة وهلعا كبيرا .

 نجح الهجوم وتشتت المعسكر الزياني شذر مدر، غير أن الجيش المغير لم ينجح في اختطاف زعيم المقاومة الذي كان مستهدفا، حيث أنه لما رأى الغزاة يقتحمون المخيم، امتطى جواده بسرعة فائقة، بمساعدة ولديه باعدي وبوعزة، وفر نحو الجنوب، وحاولت كوكبة من فرسان العدو ملاحقته، لكن لم يستطيعوا امساكه.

وتمكن المقاومين الذين نجوا من المذبحة من إبلاغ أصواتهم إلى مختلف القبائل، وفي ظرف وجيز انظمت إلى قبائل زيان قبائل أخرى متناسية تناقضاتها الداخلة (ايت شراط - ايت خويا - ايت بوهو - ايشقرن... يتقدم أبناء موحا وحمو الذين كانوا يعسكرون في مكان غير بعيد من الهري، عندئذ أدرك الكولونيل لافيردور أنه ألقى بنسفه وبقواته كلها إلى التهلكة، فحاول دون جدوى تنظيم انسحاب قواته

في اتجاه خنيفرة، إلا أن المقاومين الذين طوقوا جميع المسالك لمعرفتهم بتضاريس المنطقة فحاصروا القوات الفرنسية من كل الجهات .

نتائج المعركة

  • كبد المستعمر عدة خسائر في العتاد والأرواح البشرية في هذه المعركة ، بل كانت بمثابة فاجعة مأساوية بالنسبة للفرنسيين حتى قال الجنرال كيوم "لم تمن قواتنا قط في شمال إفريقيا بمثل هذه الهزيمة المفجعة" .
  • اسفرت عن مقتل أكثر من عشرين شخصية عسكرية ذات الرتب العالية؛ من بين 43 ضابطا و 1232 جندي فقدت القوات 33 ضابط و590 رجلا و176 جريحا من بينهم 5 ضباط. ومن بين 43 ضابط رجع فقط 5 ضباط سالمين. ونقلت 40 جثة فقط من بينها ضابط الى خنيفرة.
  • غنم المقاومون المغاربة كثيرا من العتاد العسكري الحديث، فحصلوا على ثلاثة مدافع كبيرة وعشرة مدافع رشاشة، وعدد كبير من البنادق وعشرات الخيول المحملة بالذخيرة الحربية والمؤن.
  • عانت القوات الفرنسية من فشل كارثي لم تعان مثله في إفريقيا الشمالية مثل. .
  • انشغل الزيانيون في أخر المعركة بنهب الموتى المتروكين في أرض المعركة واقتسام الغنائم. ومن جهة أخرى كانوا متأثرين بحجم خسائرهم، فقد حققوا انتصارا ولكن بثمن جد مرتفع.

مصادر الأسلحة لدى المقاومين المحليين

يمكن تصنيف الأسلحة التي حصل عليها المقاومون على الشكل التالي:

  • الصناعة المحلية؛
  • المخزن؛
  • التجارة بما فيها تجارة التهريب؛
  • قوات الاحتلال.

• يحصل المقاومون على الأسلحة مثل بوحبة من مجموعة من المدن الكبرى مثل: فاس ومراكش التي تباع في بعض الدكاكين في مدينة بني ملال،

وأبي جعد وخنيفرة. كما يتم صناعة البارود والخرطوش من طرف بعض الحرفيين المتخصصين، حيث يتم استخراجه من منجم قديم في جبل بوزل في واد سرو.

• الحصول على البارود من خلال تهريبه من المنطقة الاسبانية.

• حصولهم على الأسلحة من المخزن من خلال مواجهتها للمحلات السلطانية مثل الأسلحة التي غنمتها آيت سخمان بعد هزمهم قوات الحسن الأول والتي تم استرجاع جزء منها من طرف موحى وسعيد.

• اتهم الألمان بتزويد المقاومين بالأسلحة خلال الحرب العالمية الأولى.

• احتل الفرنسيون مدينة خنيفرة في 12 يونيو 1914 بعد قتال مرير، ليخرج موحى وحمو بمعية سكان المدينة نحو الجبال المحيطة بالبلدة، ليواصل القتال والمعارك التي توجت بملحمة الهري الشهيرة يوم 13نونبر 1914، حيث انتصر الزيانيون انتصارا ساحقا، وغنم الثوار كل الأسلحة المدفعية

• والرشاشات وعددا كبيرا من البنادق ... بعد فقدان المستعمر أكثر من 33 ضابطا في المعركة.

خاتمة

استطاع المستمر أن يحتل المناطق السهلية دون اية صعوبة، وذلك لغياب القوة الجغرافية لدى المنا طق السهلية بالإضافة إلى كثرة الخونة فيها مما ساعد المستعمرين في السيطرة على هذه المناطق، ولما وصل المستعر إلى المناطق الجبلية التي تعتبر بحد ذاتها مقاومة، زيادة على غيرة سكان المناطق الجبلية على وطنهم وترابهم ، فاستطاعوا أن يتغلبوا على المستعمر في العديد من المحطات مثل المعارك التي خاضها كل من موحى وحمو وموحى وسعيد ضده.إلا استمرار المستعمر في سياسته، مكنته في السيطرة على لأكلس المتوسط رغم تأخرهم في ذلك.


المصادر والمراجع

  • مصطفى الحسناوي /المقاومة المسلحة الشعبية بزيان والأطلس المتوسط: مقاومة موحى وحمو الزياني نموذجا2015
  • مجلة الدراسات التاريخية / محمد سليماني / أدوار المرأة في مواجهة الاحتلال الأجنبي منطقة المتوسط المغربي نموذجا.2020
  • عبد العزيز حفيضي/ مقاومة القبائل التادلية للإحتلال الفرنسي موحى وسعيد الويراوي نموذجا
  • محمد بن لحسن، معركة لهري (13نونبر 1914)، مطبعة أنفو-برنت، الطبعة الأولى نونبر 2001.
  • فرنسوا بيرجي موحى وحمو الزياني (1877-1921)، ترجمة وتعليق محمد بوستتة، مطبعة أنفو-برنت، الطبعة الأولى.
  • عبد القادر بوراس، الهري (المعركة)، معلمة المغرب، إنتاج الجمعية المغربية للتأليف والترجمة والنشر، الجزء الثاني والعشرين، طبعة 1989، سلا.
  • أغسطس ليون كيوم البربر وتهدئة الأطلس المركزي (1933-1912)، ترجمة وتقديم محمد العروصي، الطبعة الأولى.
  • جميل حمداوي، المقاومة الأمازيغية عبر التاريخ أو عندما تسترخص الدماء من أجل الحرية والكرامة، منشورات المعارف، طبعة 2013.
  • مجلة الذاكرة : موحى وحمو الزياني نموذج للقواد الصغار بمغرب نهاية القرن 19 وبداية القرن 20.
  • عبد العزيز حفيضي/ مقاومة القبائل التادلية للإحتلال الفرنسي موحى وسعيد الويراوي نموذجا.
  • محاضرات في تاريخ المقاومة في الأطلس المتوسط / ذ. الفقيه الإدريسي. 2013/ 2017 كلية الآداب بني ملال. مسلك التاريخ.
  • jean VAUGIEN /L’evolution d’une tribu berbère du maroc centrale / les ait ouirra /1951.
  • Maghrenbhistory.com

تعليقات