📁 آخر الأخبار

المواطنة عند الاغريق

إن الناظر إلى تاريخ الفكر الفلسفي السياسي يدرك مدى التطور الذي لحق مفهوم المواطنة، فالمفهوم الذي بدأ خلال الحقبة اليونانية قبل الميلاد ليس هو نفسه الذي كان موجودا في فترة العصور الوسطى، أو بأوروبا بعد الثورة الفرنسية، والذي يختلف بدوره عن المفهوم المعاصر للمواطنة. فالمواطنة في كل حقبة تاريخية إنما كانت تعبر عن التركيبة الثقافية والأخلاقية لتلك الحقبة، ومن ثم كانت المواطنة هي المؤشر على مدى تحقق المثل الأخلاقية والسياسية في زمانها.


لذلك سنحاول فهم المواطنة عند الإغريق من خلال فحصها في سياق الدولة - المدينة، ومحاولة فهمها كما يفهمها أفراد من هذه المجتمعات.

جغرافية بلاد الإغريق

من المسلمات أن الجغرافيا، بمختلف معطياتها، هي الميدان الذي تجري فوقه أحداث التاريخ. ومن المعلوم أيضا أن الإنسان ابن بيئته، إذ تؤثر فيه ويتأثر بها، وليس بوسعه سوى التجاوب معها بما يراكمه من خبرة وما يتحقق لديه من تطور للمعرفة.

لعبت المقومات والإمكانات التي تميزت بها بلاد الإغريق دورا مهما في الاختيارات التي تبناها أهل البلاد، بما في ذلك نظرتهم لمفهوم المواطنة، ذلك أن التضاريس المسيطرة على الأرض ببلاد الإغريق كان لها تأثير كبير في حياة الإنسان الإغريقي في شتى المجالات، فبسبب التضاريس ظهرت بلاد الإغريق مجزأة إلى مناطق شبه مستقلة عن بعضها، وشكلت هذه المناطق أوطان مجتمعات صغيرة لكل منها مساحة محدودة، وساكنة قليلة لا ترتبط بغيرها في الولاء لدولة أو لوطن واحد.

عاشت وفق قوانينها الخاصة ونظام حكمها الخاص، فكان من آثار هذا الواقع عدم ظهور دولة مركزية واحدة تضم جميع الإغريق، حيث فضلوا منذ البداية العيش في وحدات سياسية متصارعة فيما بينها، وكانت أساس تطور نظام البوليس Polis الذي يترجم تجاوزا بالمدينة الدولة أو دولة المدينة.

مفهوم المواطنة وتطوره التاريخي

المواطنة في كل حقبة تاريخية إنما كانت تعبر عن التركيبة الثقافية والأخلاقية لتلك الحقبة، ومن ثم كانت المواطنة هي المؤشر على مدى تحقق المثل الأخلاقية والسياسية في زمانها، فالمواطن عند اليونان هو "اليوناني الحر" بينما المواطن في زمن الدولة القومية هو أحد أبناء الأمة المكونة للدولة… إلخ.

فالمواطنة قديما لم تكن تشير طوال الوقت إلى مبادئ وقيم أخلاقية وسياسية عامة، وإنما كانت تعبر عن وضعية خاصة يحوزها البعض، ويحرم منها الاخرون، أي أن المواطنة كانت حالة من عدم المساواة، يقابلها رغبة وكفاح من أجل المساواة.

من جانب أولئك الذين حرموا منها، ومن هنا فإن تاريخ مبدأ المواطنة هو تاريخ سعي الإنسان من أجل الإنصاف، والعدل، والمساواة.

اختلفت المواطنة بشكل كبير عبر التاريخ، إلا أن هناك بعض العناصر المشتركة. تمتد روابط المواطنة إلى ما وراء روابط القرابة الأساسية لتوحيد الأشخاص من خلفيات وراثية مختلفة، أي أن المواطنة أكثر من مجرد عشيرة أو شبكة قرابة ممتدة، تصف بشكل عام العلاقة بين الشخص والكيان السياسي العام مثل دولة المدينة أو الأمة (العضوية في تلك الهيئة).

والمواطنة، عبر التاريخ، غالبا ما ينظر إليها على أنها دولة مثالية، مرتبطة ارتباطا وثيقا بالحرية، ووضعا مهما له جوانب قانونية بما في ذلك الحقوق، وكان ينظر إليها أحيانا علىى أنها مجموعة من الحقوق أو حق في التمتع بالحقوق.

أخيرا، كان للمواطنة دائما عنصر استبعاد، بمعنى أن المواطنة تستمد المعنى جزئيا من خلال استبعاد غير المواطنين من الحقوق والامتيازات الأساسية.

في العصور الوسطى في أوروبا، تم تحديد المواطنة بشكل أساسي مع الحياة التجارية والعلمانية في المدن النامية، وأصبح ينظر إليها على أنها عضوية في الدول القومية الناشئة. في الديمقراطيات الحديثة، المواطنة لها أحاسيس متناقضة، بما في ذلك وجهة نظر فردية ليبرالية تؤكد على الاحتياجات والاستحقاقات والحماية القانونية للكائنات السياسية السلبية بشكل أساسي، ووجهة نظر مدنية - جمهورية تؤكد على المشاركة السياسية وترى المواطنة كعلاقة نشطة بامتيازات والتزامات محددة.

ويمكننا أن نستشف مما سبق أن:

  • مفهوم المواطنة طوال تاريخه الطويل قد ظهر بأكثر من صورة واحدة، وذلك بحسب ما تضمنه من قيم سياسية وأخلاقية في كل مرحلة من المراحل التي مر بها، فهو يعبر عن المسؤولية أحيانا ويعبر عن الحقوق في بعض الأحيان، كذلك فقد كان يشير إلى الخضوع للسيادة في بعض الأوقات، وفي أوقات أخرى كان يعني حيازة السيادة وممارستها، كما أن حدوده كانت تضيق بمساحة دولة المدينة، أو تتسع لتشمل العالم، وهو ما يدل على مدى التنوع الذي حققه هذا المفهوم طوال تاريخه.
  • مفهوم المواطنة كان صورة دائمة للاستعباد، وعدم المساواة طوال تاريخه، فقد ظل العبيد والنساء مثلاً مستبعدين من نيل هذا الحق على الدوام، وحتى حين انتهت العبودية، وحصلت النساء على حقوق المواطنة، بقي المفهوم مرتبطا بصورة الاستعباد تلك عبر التفرقة بين أبناء الوطن الواحد وباقي سكان الدولة ممن يعدون من الأجانب أو المقيمين فقط، ولا يُستثنى من تلك الصورة إلا المفهوم العالمي للمواطنة في صيغته الكوكبية، والتي تسعى لجعل العالم وطنا واحداً لكل البشر بلا استثناء.
  • المواطنة مفهوم محوري في الفكر السياسي، فهو وفقا لطبيعته يرتبط بعدد من المفاهيم الهامة في أي دولة في العالم، مثل المساواة، والمشاركة، والحقوق، والواجبات، والتعددية، والديمقراطية، والحرية؛ لهذا تعد دراسة تاريخ المواطنة دراسة لمدى تطور واختلاف تلك المفاهيم عبر العصور المختلفة، مما يمكن الباحث من فهم واستيعاب الصورة التي تكون بها الفكر السياسي الغربي في صورته الحالية.
اختلفت المواطنة بشكل كبير عبر التاريخ، إلا أن هناك بعض العناصر المشتركة. تمتد روابط المواطنة إلى ما وراء روابط القرابة الأساسية لتوحيد الأشخاص من خلفيات وراثية مختلفة، أي أن المواطنة أكثر من مجرد عشيرة أو شبكة قرابة ممتدة، تصف بشكل عام العلاقة بين الشخص والكيان السياسي العام مثل دولة المدينة أو الأمة (العضوية في تلك الهيئة).
والمواطنة، عبر التاريخ، غالبا ما ينظر إليها على أنها دولة مثالية، مرتبطة ارتباطا وثيقا بالحرية، ووضعا مهما له جوانب قانونية بما في ذلك الحقوق، وكان ينظر إليها أحيانا على أنها مجموعة من الحقوق أو حق في التمتع بالحقوق.
أخيرا، كان للمواطنة دائما عنصر استبعاد، بمعنى أن المواطنة تستمد المعنى جزئيا من خلال استبعاد غير المواطنين من الحقوق والامتيازات الأساسية.
في العصور الوسطى في أوروبا، تم تحديد المواطنة بشكل أساسي مع الحياة التجارية والعلمانية في المدن النامية، وأصبح ينظر إليها على أنها عضوية في الدول القومية الناشئة. في الديمقراطيات الحديثة، المواطنة لها أحاسيس متناقضة، بما في ذلك وجهة نظر فردية ليبرالية تؤكد على الاحتياجات والاستحقاقات والحماية القانونية للكائنات السياسية السلبية بشكل أساسي، ووجهة نظر مدنية -جمهورية تؤكد على المشاركة السياسية وترى المواطنة كعلاقة نشطة بامتيازات والتزامات محددة.

تعليقات