مفهوم التاريخ

مقدمة

التاريخ في اللغة هو التعريف بوقت الشيء في وقت حدوثه، ويعرف عند البعض بإسناده إلى حدوث أمر شائع ومشهور، كسقوط دولة أو قيام حرب أو غير ذلك من الأمثلة، على ذلك عام الفيل، فكان الناس يقولون بأن فلان ولد بعد عام الفيل بعامين، وهكذا لشهرة تلك الحادثة أصبحت مقاسا للتاريخ، وفي عهد خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، أصبح التاريخ الإسلامي بهجرة الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو ما استمر إلى يومنا هذا.


في هذه الوقة البحثية سنورد مجموعة من التعاريف التي وضعها بعض العلماء لمفهوم التاريخ، ونخص بالذكر عبد الرحمان بن خلدون وعبد الله العروي، ثم سنعرج كذلك على بعض التعاريف الأخرى لنحاول في النهاية وضع تعريف شامل يتضمن كل ماسبق.

مفهوم التاريخ عند ابن خلدون

تعددت تعاريف العلماء والباحثين قديما وحديثا حول مدلول كلمة تاريخ، ومن أفضل هذه التعاريف، ما وضعه عبد الرحمن بن خلدون حيث قال في مقدمته: "اعلم أن فن التاريخ فن عزيز المذهب، جم الفوائد، شريف الغاية، إذ هو يوقفنا على أحوال الماضي من الأمم في أخلاقهم، والأنبياء في سيرهم، والملوك في دولهم وسياستهم، حتى تتم فائدة الاقتداء في ذلك لمن يرومه في أحوال الدين والدنيا، فهو محتاج إلى مآخذ متعددة ومعارف متنوعة وحسن نظر وتتبث، يفضيان بصاحبهما إلى الحق، وينكبان عن المزلات والمغالط، لأن الأخبار إذا أعتمد فيها على مجرد النقل، ولم تحكم أصول العادة وقواعد السياسة وطبيعة العمران والأحوال في الاجتماع الإنساني، ولا قيس الغائب منها بالشاهد والحاضر بالذاهب، فربما لم يؤمن فيها من العثور ومزلة القدم والجيد عن جادة الصدق".

كما شدد ابن خلدون في مقدمته على أهمية ومكانة التاريخ في الحضارة الإنسانية، وأشار إلى ضرورة الاهتمام به كفن وكعلم، إذ يقول "فإن فن التاريخ من الفنون التي تتداوله الأمم والأجيال، وتشد إليه الركائب الرحال، وتسمو إلى معرفته السوقة والأغفال، وتتنافس فيه الملوك والأفيال، ويتساوى في فهمه العلماء والجهال، إذ هو في ظاهره لا يزيد على الاخبار عن الأيام والدول، والسوابق من القرون الأولى، تنمو فيها الأقوال، وتضرب فيها الأمثال، وتطرف بها الأندية إذا غصها الاحتفال، وتؤدي لنا شأن الخليقة كيف تقلبت بها الأحوال، واتسع للدول النطاق فيها والمجال، وعمروا الأرض حتى نادى بهم الارتحال، وحان منهم الزوال، وفي باطنه نظر وتحقيق، وتعليل للكائنات ومبادئها دقيق، وعلم بكيفيات الوقائع وأسبابها عميق فهو لذلك أصيل في الحكمة عريق، وجدير بأن يعد في علومها عريق.

وبهذا يكون عبد الرحمن بن خلدون هو من وضع اللبنة الأولى لما عرف بعد ذلك بفلسفة التاريخ، وسار على نهجه العديد من الفلاسفة والمفكرين.

مفهوم التاريخ عند العروي

ومن التعريفات المهمة والحديثة، تلك التي قالها عبد الله العروي، حيث قال نعتقد تلقائيا أن لا فرق بين التاريخ - الوقائع والتاريخ - الأخبار هذا يعني أن التاريخ لا ينفصل عن الإنسان وبخاصة الإنسان المتخصص الذي نسميه بالمؤرخ، في هذا السياق لا يمكن تقديم التاريخ على المؤرخ فهما متلازمان، ولذلك نتكلم عن عهد لاتاريخي أو قبتاريخي،ً عن عهد لم يكن فيه لا مؤرخ ولا تاريخ، لو لم تكن هذه الفكرة بديهية بالنسبة لنا لما تصورنا أصلا بداية للتاريخ، نعني في الغالب بداية علم التاريخ، لكن نميل إلى الاعتقاد أنه قبل نشأة العلم لم يكن تاريخ يستحق الذكر.

ويعتبر عبد الله العروي أن المؤرخ اليوم هو الذي يملك الوعي بالتغيير، ويميزه عن الأراخ الذي يجمع الأخبار، ويحافظ على الأثار الباقية، ويستعمل مصطلحات الحافظ والمحافظ والخازن والقيم، والهدف الأول عند الأراخ يبقى مكافحة النسيان، فالتاريخ سيرورة الإنسان ككائن عاقل حر، والمؤرخ عند عبد الله العروي صاحب نظر ما دام التاريخ مجال الحرية، وأساس صناعة المؤرخ هو أن يربط التاريخ أي الوقائع بالوعي، نادى بالتطهير ويتجاوز الرواية الموروثة من أجل تشييد جديد. كما لاحظ أيضا أن التاريخ خطير لأنه يعكس على حد قوله باستمرار الاتجاه المعادي في المجتمع، فيكون المعادي اصلاحيا إذا عم الجمود، ويكون محافظا إذا عم التغيير وبما أنه خطير فإنه يكون دائما في خطر الذوبان في التقليد، فيصبح محفوظا غير مفهوم، وخطر الذوبان في حاضر متطلع باستمرار إلى مستقبل متجدد باستمرار.

تعاريف أخرى لمفهوم التاريخ

لقد عرف أحد المؤرخين الألمان التاريخ على أنه "حاصل الممكنات التي تحققت"، إذا فهذا التعريف ينطبق على التاريخ الفعلي الواقعي، سواء منه السياسي والفكري والاقتصادي والاجتماعي. وبالتالي فإن التاريخ في أبسط تعاريفه فهو "دراسة وتحليل الماضي من أجل التعرف على ما يجري في الحاضر، وربما استشراف شيء ما من المستقبل".

ويشير التاريخ بحسب معجم ويسبر إلى دراسة السجل الزمني لأهم الأحداث التي أثرت على مجرى حضارة ما أو أمة، وتوضيح أسباب ذلك، ويشير مفهوم التاريخ أيضا إلى دراسة الماضي الإنساني المتمثل في الحضارات الإنسانية، والأفكار والأحداث والأثار وغيرها من الأمور المتعلقة بالماضي، وذلك استناد ا إلى الوثائق، أو الكتب التي تركتها الحضارات السابقة.

وبشكل عام فإن للتاريخ تعريفات عديدة ومتنوعة من حيث المفاهيم التي وضعها العلماء والباحثين، فقد اعتبر محمد حواش بأن التاريخ والوعي التاريخي أسمى وأرقى مقام يمكن أن يتبوأه الإنسان داخل أمة من الأمم، فالإنسان بطبعه سواء كان فردا أو جماعة، تسكنه رغبة قوية وغريزة متأصلة في معرفة ماضيه القريب والبعيد، ليقيس على ضوء ذلك حاضره ويخطط لمستقبله، وأن الإنسان يحتاج إلى القيام بتأملات عميقة في مسيرته الشخصية لماضيه لمعرفة الصواب من الخطأ في مسيرة الإنسان، واعتبر محمد حواش أيضا أنه إذا ارتقت هذه التأملات من مجرد النظر الفردي الحر إلى مستوى الفحص والمساءلة لهذا الماضي المشترك الجماعي، واتخذت صيغة مراجعة تقويمية في كيان أمة بكاملها في لحظة من لحظاتها، فإن ذلك ما نعده بحق وعيا تاريخيا تستعين به هذه الأمة أو تلك على مواجهة واقعها والإعداد على ضوء ما تحصل لها من وعي تاريخي بخصوص مرحلة من المراحل التي توجد فيها.

خاتمة

لقد تعددت المناهج لدراسة التاريخ الإنساني قديما وحديثا، فإذا كان اتجاه من سبق من المؤرخين يعتمد على سرد الوقائع والأحداث، فإن هناك تجاوز ذلك إلى التعمق في استخلاص العبر والتأمل وسبر الأغوار عبر التحليل والتركيب، كما أن البعض صاغ قوانين ونظريات لتفسير التاريخ، ومن هنا نجد بأن النظريات تعددت واختلفت في تفسير التاريخ، كما تنوعت المناهج المستعملة في ذلك. لقد تطلع الإنسان دائما إلى معرفة أحداث ووقائع الماضي وقد ارتبط هذا التطلع ليس إلى الحدث فقط، بل تعداه إلى التساؤل عن سبب حدوثه.


المصادر والمراجع

  • ابن خلدون، مقدمة، الجزء الاول، تحقيق عبد الله محمد الدرويش، الطبعة الأولى، سنة 2004م؛
  • العروي عبد الله، مفهوم التاريخ، المركز الثقافي العربي الدار البيضاء-المغرب، الطبعة الرابعة، سنة 2005م؛
  • القدوري عبد المجيد، العروي والتاريخ، أعمال الحلقة الدراسية؛ الحداثة وأسئلة، التاريخ، كلية الآداب والعلوم الإنسانية بنمسيك، الدار البيضاء، 2007؛
  • حواش محمد، اشكاليات البحث التاريخي وآفاق تطورٌه، حوار مع الدكتور محمد، بالعربي حواش، سلسلة حوارات، مركز دراسات المعرفة والحضارة، 2020؛
تعليقات