مقدمة
شكّلت سنة 1930 مرحلة مميزة في تاريخ النضال المغربي، الذي انتقل من الأسلوب المسلح إلى المقاومة السياسية، جسّدتها الحركة الوطنية في مجموعة من المطالب التي اقتصرت في البداية على الإصلاح، قبل أن تتحول إلى المطالبة بالاستقلال، ليلج المغرب بعدها مرحلة استكمال وحدته الترابية.
فما ظروف نشأة الحركة الوطنية ووسائل اشتغالها؟ وما تطوراتها بين 1930 و1956؟ وما جهود المغرب لاستكمال وحدته الترابية؟
1. تنوعت ظروف نشأة الحركة الوطنية وتعددت وسائل اشتغالها
1.1 أسهمت عوامل متداخلة في ظهور الحركة الوطنية
ارتبط ظهور الحركة الوطنية بمجموعة من العوامل الداخلية والخارجية، نذكر منها:
- توقف المقاومة المسلحة واشتداد الاستغلال الاستعماري وانعكاساته على المغرب.
- تأثر المثقفين المغاربة بالحركات التحررية العالمية، لا سيما بالمشرق العربي.
- إصدار الظهير البربري يوم 16 ماي 1930، القاضي بالتفريق بين المغاربة.
1.2 ارتكز عمل الحركة الوطنية على وسائل متنوعة
اعتمدت الحركة الوطنية في نضالها السلمي على مجموعة من الوسائل، منها:
- إصدار الجرائد والمجلات والمنشورات لفضح المشروع الاستعماري.
- إنشاء المؤسسات الحزبية مثل كتلة العمل الوطني بالمنطقة السلطانية، وحزب الإصلاح الوطني والوحدة المغربية بالمنطقة الخليفية.
- تأسيس المدارس الحرة وتكوين الفرق الموسيقية والمسرحية.
- الاحتفال بعيد العرش، وتبني أسلوب المقاطعة التجارية.
2. شهدت الحركة الوطنية بين 1930 و1956 تطورات وأحداثاً عدّة انتهت بالاستقلال والشروع في استكمال الوحدة الترابية
2.1 طالبت الحركة الوطنية ما بين 1930 و1939 بمجموعة من الإصلاحات
شكّلت الفترة الممتدة بين 1930 و1939 بالنسبة للحركة الوطنية مرحلة المطالب الإصلاحية، سواء في المنطقة السلطانية أو الخليفية.
في المنطقة السلطانية:
تقدّم زعماء كتلة العمل الوطني بمجموعة من المطالب الإصلاحية، من بينها:
احترام بنود الحماية، إلغاء الإدارة المباشرة، السماح بإنشاء المدارس والمستشفيات، إيقاف الاستعمار الرسمي، إضافة إلى المساواة بين المعمرين والمغاربة في الضرائب.
في المنطقة الخليفية:
طالبت أحزاب المنطقة الإسبانية، وفي مقدمتها حزب الإصلاح الوطني والوحدة المغربية، بإصلاحات عدة، نذكر منها:
تكوين المجالس البلدية، إنشاء المؤسسات التعليمية، وتحسين وضعية الفلاحين المغاربة.
2.2 انتقل مطلب الحركة الوطنية ما بين 1939 و1956 من الإصلاح إلى الاستقلال
عوامل الانتقال من مطلب الإصلاح إلى مطلب الاستقلال
تجسدت مرحلة المطالبة بالاستقلال في تقديم أعضاء حزب الاستقلال وثيقة للمطالبة بالاستقلال يوم 11 يناير 1944 إلى سلطات الحماية والسلطان، الذي تبنّى مواقف داعمة لاستقلال المغرب.
وساهمت مجموعة من العوامل في هذا الانتقال، أهمها:
- رفض فرنسا للمطالب الإصلاحية، وتزايد حدّة استغلالها الاستعماري.
- تراجع قوة فرنسا أثناء الحرب العالمية الثانية.
- إصدار الميثاق الأطلسي سنة 1941، الذي نصّ على حق الشعوب في تقرير مصيرها.
- انعقاد لقاء أنفا سنة 1943، حيث طرح السلطان محمد الخامس فكرة استقلال المغرب على الرئيس الأمريكي روزفلت.
ظروف حصول المغرب على الاستقلال
توترت العلاقة بين السلطان محمد بن يوسف والإقامة العامة منذ إبدائه تعاونه مع الحركة الوطنية، وقيامه بتصريحات معادية للاستعمار، خاصة في خطاب طنجة سنة 1947.
وكان الرد الفرنسي نفيه وأسرته إلى جزيرة كورسيكا يوم 20 غشت 1953، ثم إلى جزيرة مدغشقر، وتنصيب محمد بن عرفة مكانه، بتواطؤ مع بعض القوى الكبرى.
ترتب على نفي السلطان تصاعد المظاهرات المنادية بعودته، واندلاع عمليات فدائية ضد الفرنسيين ومساعديهم. وأمام هذا الوضع، قررت السلطات الفرنسية إعادة الملك الشرعي إلى عرشه وشعبه، وتوقيع معاهدة الاستقلال في 2 مارس 1956 بعد سلسلة من المفاوضات في إيكس-ليبان وسان كلود.
2.3 ركّز المغرب بعد استقلاله على استكمال وحدته الترابية بأساليب متنوعة
- 1956: استرجاع المنطقة الخليفية الشمالية من الإسبان، ثم منطقة طنجة بعد إلغاء النظام الدولي بها.
- 1958: استرجاع منطقة طرفاية بعد مقاومة قبائل آيت باعمران.
- 1969: استرجاع سيدي إفني بعد مفاوضات مع إسبانيا تحت إشراف هيئة الأمم المتحدة.
- 1975: استرجاع الساقية الحمراء بعد تنظيم المسيرة الخضراء.
- 1979: استرجاع منطقة وادي الذهب بعد مبايعة وفد صحراوي للملك الحسن الثاني بالعاصمة الرباط.
استطاع المغرب بفضل الكفاح المسلح والنضال السياسي أن ينال استقلاله سنة 1956، ويشرع في تحقيق وحدته الترابية، التي لا يزال يسعى إلى تدعيمها.
مفاهيم ومصطلحات
- الظھیر البربري: ھو الظھیر الذي أصدرته سلطات الاحتلال الفرنسي في یوم 16 ماي 1930م ، ویقضي بجعل القبائل الأمازیغیة خاضعة لمحاكم عرفیة وغیر تابعة للمخزن.
- كتلة العمل الوطني: أول حزب سياسي مغربي، برز إلى الوجود خلال الثلاثینیات من القرن العشرین .
- الحركة الوطنية: تيار شعبي ظهر بداية الثلاثنيات بعد إعلان فرنسا الظهير البربري، استهدفت تعبئة مختلف مكونات الشعب المغربي لمناهضة الاستعمار.
- عريضة المطالبة بالاستقلال: وثيقة قدمها حزب الاستقلال نيابة عن باقي مكونات الحركة الوطنية بتاريخ 11 يناير 1944م، من المطالبة بالاستقلال.
- مفاوضات إكس ليبان: انعقدت في إكس ليبان الفرنسية 27 غشت 1955، بين ممثلي الحركة الوطنية و وزراء فرنسيين أسفرت عن ابعاد بن عرفة و عودة السلطان محمد بن يوسف من المنفى.
- استكمال الوحدة الترابية: مرحلة دخلها المغرب بعد الاستقلال 1956م امتدت إلى 1979، من أجل استرجاع المناطق الصحراوية باعتماد اسلوب ديبلوماسي.
- ثورة الملك و الشعب: ردود أفعال الشعب المغربي بعد نفي السلطان محمد بن يوسف.